ربما تحمل تلك الوجبات أضرارًا كبرى؛ حيث يؤكد الدكتور محسن الألفي أستاذ طب الأطفال بجامعة عين شمس في بحث له أن الدارسين قد توصلوا مؤخرًا إلى أن تكرار تناول الأطفال للوجبات السريعة بما تحتويه من كميات كبيرة من الدهون ومكسبات الطعم يؤثر على كيمياء المخ ويسلبهم الإرادة؛ فيصبح قرار التوقف عن هذه الوجبات في غاية الصعوبة تمامًا مثلما تفعل السجائر وعقاقير الإدمان!
وقد أظهرت الأبحاث أن الكثير من هذه الوجبات تعمل على تنشيط الجين الخاص بالسمنة بصورة مرضية! وقد تنبهت إلى هذا الخطر أكثر من 20 ولاية أمريكية ومنعت طلاب المدارس من تناول هذه الوجبات؛ لوجود علاقة بينها وبين الإصابة بالأنيميا وفقر الدم وارتفاع نسبة الكولسترول. ووجود علاقة بين مشروبات "الصودا" التي عادة ما تكون مصاحبة لهذه المأكولات والإصابة بهشاشة العظام، فضلا عن أنها تتسبب في عسر الهضم عند تناولها مع الطعام.
وعند إضافة الأطعمة المقلية كالبطاطس والأغذية التي تحتوي على المواد الحافظة والملح لكي نحصل على "وجبة كاملة" أو "كومبو" تكون المحصلة هي الحصول على "خطر كامل"، كما يوضح الدكتور مدحت المسيري أستاذ الفيزياء الطبية بجامعة القاهرة في بحث له؛ فأطعمة مثل الهامبورجر وأصابع السمك (fish fingers) والدجاج المقلي تدخل في دائرة المواد المسببة للإصابة بالسرطان. ومن الممكن بعد التأكد من جميع أضرار هذه الوجبات أن يتم كتابة تحذير على علب الوجبات السريعة يفيد بأنها "تدمر الصحة وتسبب الوفاة".
السمنة.. قاتل أطفالنا الأول
والبدانة التي تعتبر أول عرض لتناول الوجبات السريعة في طريقها بالفعل لأن تصبح السبب الأول للوفاة في بريطانيا، محتلة مكان التدخين، ويرى خبراء الصحة هناك أن الحكومة البريطانية -شأنها شأن سائر الحكومات الأوروبية- تشعر بالخوف من وضع حلول لهذه المشكلة التي أوجدتها مؤسسات وشركات إنتاج الوجبات السريعة والجاهزة؛ وذلك بسبب المصالح الضخمة لهذه الشركات. فرءوس الأموال المستثمرة في مطاعم الوجبات السريعة والمشروبات الغازية ضخمة للغاية، وبسبب هذه "المصالح" يموت 30 ألف شخص بريطاني بدين في كل عام.
يؤكد العلماء البريطانيون في دراسة حديثة أن الجيل الحالي من الأطفال في بريطانيا أكثر عرضة للأمراض الخطيرة؛ حيث إن 10% من الأطفال مصابون بالسمنة، و20% من الأطفال يعانون الوزن الزائد. وقد كشف الدكتور إيريك شلوسر خبير الأغذية الأمريكي في كتابه "أمة الأغذية السريعة" عن زيادة حالات الوفيات بين الأطفال من عمر 6 إلى 10 سنوات؛ بسبب البدانة المفرطة بعد تضاعف عدد مطاعم الوجبات السريعة في بريطانيا. وفي الولايات المتحدة تؤدي السمنة إلى وفاة 300 ألف شخص سنويًّا، وتأتي بعد التدخين الذي يتسبب في وفاة 400 ألف شخص.
ونظرًا لانتشار مطاعم الوجبات السريعة والجاهزة في مجتمعاتنا العربية؛ فقد زادت نسبة البدانة في تلك المجتمعات؛ حيث تقدر نسبة البدانة في مصر مثلا بحوالي 50% بين النساء والرجال. وأوضحت دراسة حديثة للباحثة الدكتورة منى السماحي في جامعة عين شمس أن "بدانة الأطفال" منتشرة في مصر بصورة تدعو للقلق؛ حيث بلغت نسبة البدانة لدى الأطفال 15% بعد أن كانت في الثمانينيات من القرن الماضي في حدود 6% فقط. وأرجعت هذا لتناول الوجبات السريعة والجاهزة، والأكل بين الوجبات، وإهمال الخضراوات والفاكهة.
احذر.. ضريبة البدانة
واعتمادًا على أبحاث تؤكد وجود علاقة قوية بين السمنة المبكرة والانتشار السريع لأمراض السكر وضغط الدم والقلب وأمراض العمود الفقري وارتفاع نسبة الكولسترول والربو وبعض أنواع السرطان، ومن ناحية أخرى الأمراض النفسية والخجل والإحباط.. فقد حثّت جهود الجمعية الطبية الأسترالية الحكومة على فرض "ضريبة بدانة" على الوجبات السريعة الدسمة والمشروبات الغازية، وذلك في إطار "إستراتيجية لجعل الناس أكثر وعيًا بمكونات الطعام الذي يشترونه".
ويوضح الدكتور عامر الطويل أستاذ التغذية بجامعة القاهرة أن معظم هذه الوجبات والمأكولات تتسم بالتعقيد والدسامة وعدم التوازن، وتمتلئ بالدهون ومكسبات الطعم، وتكون محشوة عادة بالتوابل الحارة بكميات كبيرة، وهذا الأمر يؤدي لتهيج الأغشية الداخلية للجهاز الهضمي، ويحدث أخطارًا كبيرة ومتعددة عند الإفراط في تناولها. ويضيف أيضًا أن المدنية والتطور أبعدا الإنسان عن فطرته وتلقائيته في المأكل والمشرب؛ الأمر الذي أخل بصحة الإنسان، وجعله عرضة للإصابة بأمراض متعددة، على رأسها البدانة.
ويشير د. عامر الطويل إلى أن المجتمعات الغربية المتقدمة قد تنبهت في السنوات الأخيرة إلى خطورة الوجبات الغذائية المنتشرة بها، وخصوصًا وجبات التيك أواي الجاهزة. ويقول: لقد ارتدت كثير من هذه المجتمعات، وقد ظهرت بها نـزعات ودعوات إلى البدائية في الأكل؛ أي الحرص على البساطة وعدم التكلف، والتركيز على الأطعمة الطازجة والألياف والخضراوات، والاهتمام بالحبوب غير المقشّرة، والإقلال من اللحوم الحمراء والدهون، وفوق ذلك كله الاقتناع بأن القيمة الغذائية للطعام أكثر أهمية من القيمة المادية التي يساويها هذا الطعام، ويحثّ الدكتور عامر الطويل على تناول المأكولات الشعبية الشرقية المنتشرة في مصر ومعظم الدول العربية؛ باعتبارها أكثر ملاءمة لصحة الإنسان وأكثر فائدة له.
وحول إمكانية طبع عبارة "تدمر الصحة وتسبب الوفاة" على علب الوجبات الجاهزة في مجتمعاتنا العربية يقول د. الطويل: المشكلة أن أكل وجبة جاهزة واحدة ربما لا يكون أمرًا مضرًّا؛ فالوجبة لا تضم سمومًا خالصة بطبيعة الحال كالتي تضمها السجائر، ولكن خطورة الوجبة تكمن في إدمان تناولها والاعتماد عليها؛ ولذلك فمن الصعوبة وصفها بأنها "تدمر الصحة وتسبب الوفاة" وصفًا مطلقًا، وهذا قد يحول الموضوع برمته إلى مشكلة قانونية.
مخلفات غذائية!
ومن المخاطر الصحية الأخرى للوجبات السريعة والجاهزة -كما أكد باحثون أسكتلنديون مؤخرًا- أن الوجبات السريعة وشبه المجهزة تسهم بدرجة كبيرة في إصابة الأطفال بالربو؛ لخلوها من الخضراوات الطازجة والفيتامينات والمعادن، كما أن خلو هذه الأطعمة من الألياف الضرورية لانتظام الحركة الطبيعية للأمعاء يخل بوظيفتها، ويؤدي إلى اضطرابات في عملية الامتصاص. موضحين أن حياة الريف أفضل لصحة الأطفال من العيش في المدن التي تنتشر بها الوجبات السريعة أو بالأصح "المخلفات الغذائية".
وأوضحت باحثة أمريكية أن تناول السكريات والأطعمة السريعة والدهون بكثرة يغير سلوك الأطفال، وأن الوجبات السريعة تدفع إلى خمول العقل وكسله وإلى ترهل الجسم! كما ذكرت مجلة "نيو ساينتيست" (new scientist) مؤخرًا أن ما يحصل عليه الجسم من الدهون الموجودة بكثرة في الساندويتشات السريعة ووجبات الشوارع يسبب أضرارًا بالغة بالمخ، ويؤذي قدرة الذاكرة؛ لأن هذا الغذاء يمنع وصول الجلوكوز إلى المخ بكمية كافية]