العصور القديمة. تُعد الملاكمة واحدة من أقدم الرياضات المعروفة، حيث تُظهر النقوش الحجرية أن السومريين، الذين عاشوا فيما يعرف الآن بالعراق، مارسوا الملاكمة منذ خمسة آلاف سنة مضت على الأقل.
كانت الملاكمة مشهدًا وحشيًا في بلاد الإغريق القديمة. حيث كان يجلس شابان على حجرين مستويين متقابلين وجهًا لوجه، وقبضاتهم ملفوفة بسيور جلدية ¸شرائط من الجلد·. وعند إعطاء الإشارة، يبدأ كل منهما بضرب الآخر إلى أن يسقط أحدهما إلى الأرض فاقد الوعي. بعدئذ يستمر الرجل الآخر بضرب منافسه حتى يموت.
وكان الرومان يقدمون أيضا للجمهور مباريات وحشية. فكان الملاكمان يلبسان على أيديهما وسواعدهما قفازات من أشرطة جلدية مثقلة بالرصاص تتكون من أشرطة جلدية مكسوة بصفائح معدنية. وكان مصرحا للملاكمين بالوقوف والتجول ضمن حيّز صغير. وبمرور الزمن، أصبحت هذه الرياضة في غاية الهمجية لدرجة جعلت الرومان، يمنعون استخدام تلك القفازات. وفي القرن الأول قبل الميلاد، منعوا الملاكمة كليا.
بداية الملاكمة الحديثة. اختفت الملاكمة تقريبًا كرياضة حتى أواخر القرن السابع عشر الميلادي، حتى عادت للظهور في إنجلترا. لكنها ظلت رياضة قاسية، إذ إنَّ كثيرًا من الملاكمين، أصبحوا معاقين أو أصيبوا بالعمى، أو لقوا مصرعهم.
في مطلع القرن الثامن عشر الميلادي، أدخل جيمس فيج، أحد أشهر الرياضيين الإنجليز، الملاكمة الحديثة وكانت الملاكمة في عهد فيج تشتمل على كثير من المصارعة. فأصبح فيج ناجحًا بالملاكمة بدلا من المصارعة. وافتتح في عام 1719م، مدرسة للملاكمة في لندن وبدأ يدرس أسلوبه في الالتحام عاري البراجم ¸أي بدون قفازات·.
كانت قواعد الملاكمة التي وضعها فيج، تتسم بالقسوة. فمثلاً كانت إحدى القواعد تنصّ على أن يواصل الملاكمان الملاكمة بدون فترات راحة، إلى أن يعجز أحدهما عن الاستمرار. وفي عام 1743م أدخل جاك بروتون، الملاكم الإنجليزي الشهير، قواعد جديدة. وبموجب قواعد بروتون، كانت تنتهي الملاكمة عندما يسقط أحد الملاكمين على الأرض ولايستطيع النهوض خلال 30 ثانية. إلا أن المباريات استمرت مع ذلك. وقد أصبحت قواعد بروتون، بعد إدخال بعض الإضافات، معايير قياسية لجميع المباريات. وكانت تعرف باسم قواعد حلبة جائزة لندن وساعدت في جعل الملاكمة أقل وحشية.
من الملاكمة دون قفازات إلى القفازات. جرت أول مباراة في بطولة دولية في 17 أبريل 1860م في فارنبره كومون في إنجلترا. حيث نازل توم سايرز من إنجلترا جون هينان من الولايات المتحدة. كان سايرز آنذاك، وهو ذو وزن متوسط صغير، ينازل ملاكما في الوزن الثقيل، وقد تضررت ذراعه اليمنى على نحو خطير في وقت مبكر من المباراة. لكنه بقي واستمر يلاكم 42 جولة مرهقة. عند هذا الوقت، قطع الجمهور الحبال وتدخلت الشرطة. وأُعلن تعادل الطرفين في المباراة.
يتفق معظم الخبراء على أن جيم مايس أول ملاكم حديث يستخدم الأسلوب العلمي في الملاكمة في إنجلترا. وقد نال البطولة البريطانية في عام 1861م، وأصبح بطلاً عالميًا بموجب قواعد حلبة جائزة لندن في عام 1870م.
وفي منتصف ستينيات القرن التاسع عشر الميلادي اقترح ماركيز كوينزبري، وهو رياضي إنجليزي، قانون ملاكمة جديداً مكونا من 12 قاعدة. واستخدمت قواعد كوينزبري لأول مرة عام 1872م وطُبقت في كافة أنحاء العالم منذ ذلك الحين بعد إدخال تغييرات طفيفة عليها. وتقضي القواعد أن يرتدي الملاكمان القفازات. كما تنص أيضًا على أن تكون الملاكمة في جولات، مدة كل منها ثلاث دقائق مع فترة راحة لمدة دقيقة واحدة بين الجولات. كما تقضي القواعد كذلك بعدم ضرب الملاكم، إذا كان في حالة كبوة على ركبة واحدة، ويجب أن يُعطى الملاكم المطروح أرضًا مدة 10 ثوان ليعود واقفًا على قدميه.
في عام 1882م، حصل الملاكم الأمريكي جون ل. سوليفان على البطولة العالمية للملاكمة بدون قفازات. لكنه أدرك أن الملاكمة بدون قفازات ليس لها مستقبل. لذلك انضم سوليفان لمجموعة مسرح متجول، وقدَّم للجمهور مباريات ملاكمة بالقفازات في كل مكان من الولايات المتحدة.
خلال العقد التاسع من القرن التاسع عشر الميلادي، كان سوليفان يغيب عن الظهور على المسرح، بين الحين والحين، ليدافع عن بطولته للملاكمة بدون قفازات. وقد دافع عن اللقب لآخر مرة عام 1889م، عندما هزم جاك كيلرين في الجولة 75. وكانت هذه المباراة هي آخر بطولة عالمية في الوزن الثقيل بدون قفازات. وفي عام 1892م تلاكم سوليفان مع جيمس ج. كوربيت لتحديد بطولة الوزن الثقيل باتباع قواعد كوينزبري. وقد هزم كوربيت سوليفان بالضربة القاضية في الجولة الـ 21.
مطلع القرن العشرين الميلادي. في عام 1921م هزم بطل الوزن الثقيل الأمريكي جاك دمبسي متحديه الفرنسي جورج كاربنتر على البطولة العالمية، وتربع دمبسي على عرش بطولة الوزن الثقيل من عام 1919م حتى عام 1926م حين هزمه جيني توني وانتزع منه اللقب.
وعندما تقابل دمبسي وتوني في مباراة ثانية عام 1927م، دفع أكثر من 100,000 شخص مبلغ 2,658,660 دولارًا أمريكيًا ليشاهدوا المباراة ، وُيَعد هذا رقمًا قياسيًا في ذلك الوقت، وقد كسب توني المباراة بالنقاط.
أصبح جو لويس أحد أكثر الملاكمين شهرة في مطلع القرن العشرين. حيث حمل لقب الوزن الثقيل لأطول فترة من أي ملاكم آخر، وذلك من عام 1937م إلى أن اعتزل الملاكمة في عام 1949م. وعاد لويس من اعتزاله في عام 1950م للملاكمة، ولكنه خسر بطولة الوزن الثقيل أمام إزارد تشارلز. وفاز بعد ذلك في عدة مباريات. وفي عام 1951م، في آخر مباراة له، تلقى لويس الضربة القاضية من روكي مارشيانو.
أواسط القرن العشرين الميلادي. كان أرتشي مور، وشوجر راي روبنسون، وروكي مارشيانو، أشهر ثلاثة ملاكمين خلال العقد السادس من القرن العشرين الميلادي. فقد حمل مور لقب بطل وزن خفيف الثقيل من عام 1952م إلى عام 1961م. أما روبنسون فكان بطل وزن الوسط من عام 1946م إلى 1951م وثابر بعدئذ ليفوز بتاج وزن المتوسط خمس مرات، في حين كان مارشيانو بطل الوزن الثقيل من عام 1952م إلى عام 1956م، وفاز في جميع مباريات المحترفين الـ 49 التي لعبها.
من جهة ثانية، انخفض الحضور في مباريات الملاكمة خلال العقد السادس من القرن العشرين الميلادي، مع تزايد انتشار التلفاز. وأصبح الكثير من المشجعين يفضلون مشاهدة المباريات الرئيسية على شاشات التلفاز على الحضور ومشاهدتها شخصيًا. ونتيجة لذلك، أُجبرت نوادي الملاكمة الصغيرة التي يبدأ فيها كثير من الملاكمين أول عهدهم بالملاكمة على التوقف عن العمل. ومع مرور الزمن أخذ الاهتمام الشعبي العام بالملاكمة بالتناقص إلى الحد الذي أصبحت لاتنقل بالتلفاز سوى بعض مباريات البطولة فقط.
التطورات الحديثة. أضحى محمد علي كلاي واحدًا من أبرز الملاكمين النابضين بالحيوية في تاريخ الملاكمة وساعد بروزه على إثارة تجديد الاهتمام بهذه الرياضة خلال ستينيات وسبعينيات القرن العشرين. فلقد فاز محمد علي كلاي بلقب بطل الوزن الثقيل من عام 1964م بنصر غير متوقع على سوني ليستون. وباعتزاله الملاكمة عام 1980م، أصبح محمد علي كلاي أول بطل للوزن الثقيل، يفوز بالبطولة أربع مرات.
لمع جيل جديد من الملاكمين خلال العقد التاسع من القرن العشرين، فأثار اهتمامًا أكثر بالملاكمة. وكان شوجر راي ليونارد أحد الملاكمين الأكثر شعبية. فاز بالميدالية الذهبية في الملاكمة في الألعاب الأوليمبية عام 1976م. وفي الثمانينيات من القرن العشرين لعب ليونارد عدة مباريات مثيرة للإعجاب. فبعد فوزه بلقب بطل وزن الوسط لمجلس الملاكمة العالمي في عام 1979م، نازل روبرتو دوران مرتين في عام 1980م وهزم ليونارد منافسه توماس هيرنز الذي لم يهزم من قبل، وفاز بلقب بطل وزن الوسط لجمعية الملاكمة العالمية. واعتزل ليونارد في عام 1984م، لكنه عاد للملاكمة عام 1987م ليتغلب على مارفن هاجلر في بطولة وزن المتوسط لمجلس الملاكمة العالمي وقد حمل هاجلر اللقب منذ عام 1980م.
اُعتبر لاري هولمز، عمومًا صاحب المرتبة العليا في بطولة الوزن الثقيل في أواخر السبعينيات ومطلع الثمانينيات من القرن العشرين. إلا أن مايك تايسون كان الملاكم الأكثر أهمية في هذه الفئة بنهاية الثمانينيات من القرن العشرين. ففي عام 1986م، أصبح تايسون أصغر بطل في الوزن الثقيل في تاريخ الملاكمة بفوزه في أولى البطولات العالمية إذ استأثر بلقب مجلس الملاكمة العالمي ولم يتجاوز 20 عامًا بتغلبه على تريفور بيربيك في تلك المباراة. وفي فبراير عام 1990م، هزم بوستر دوجلاس منافسه تايسون ـ الذي لم يسبق أن هزمه أحد ـ بالضربة القاضية وهكذا فاز دوجلاس ببطولة الوزن الثقيل في واحدة من أضخم المباريات في تاريخ الملاكمة.
وفي نهاية عام 1990م، ألحق إيفاندر هوليفيلد الهزيمة بدوجلاس وأصبح بطلاً للعالم. وفي عام 1992م، خسر هوليفيلد اللقب أمام ريديك بو، ولكن ما لبث أن استعاده عام 1993م. وفي عام 1994م، خسر هوليفيلد اللقب ثانية أمام الملاكم العجوز (45 عامًا) جورج فورمان الذي أصبح أكبر أبطال الوزن الثقيل سنًا. وفي عام 1996م، استعاد تايسون لقب جمعية الملاكمة العالمية.
وفي 28 يونيو 1997م، التقى البطل السابق لمجلس الملاكمة العالمي وجمعية الملاكمة العالمية مايك تايسون ببطل جميعة الملاكمة العالمية الحالي (1998م) هوليفيلد. تلقى تايسون ضربة رأسية من هوليفيلد شجت جبينه الأيسر، إلا أن الحكم اعتبر الضربة غير مقصودة. أحبط تايسون من تحيز الحكم السافر وإثارة هوليفيلد له فقضم جزءًا من أذن هوليفيلد اليسرى. أوقف الحكم المباراة، وأعلن فوز هوليفيلد لإرتكاب منافسه مخالفات خطيرة.
ناشد كثير من المراقبين تايسون تقديم اعتذار صريح لهوليفيلد. وفي 9 يوليو 1997م غرم مسؤولو الملاكمة في ولاية نيفادا تايسون 10% من دخله من المبارة الذي قدر بنحو 30 مليون دولار أمريكي، وحرموه من مزاولة الملاكمة لعام كامل.
وفي 8 نوفمبر 1997م، حاز هوليفيلد لقب اتحاد الملاكمة العالمي للوزن الثقيل بعد أن ألحق هزيمة قاسية بمتحديه مايكل مورير في الجولة التاسعة. وفي عام 1999م، عاد تايسون إلى حلبة الملاكمة مرة أخرى وكسب مباراة واحدة عاد بعدها مرة أخرى للسجن بعد أن تهجم على شخصين عقب حادث مروري وقع عام 1998م. وفي أبريل 2001م، فاز الأمريكي المسلم حازم عبدالرحمن ببطولة مجلس الملاكمة العالمي بعد تغلبه على حامل اللقب البريطاني لونكس لويس. وفي أكتوبر 2001م، فاز تايسون على الدنماركي براين نيسلف الذي انسحب في الحولة السابعة. أصبح هوليفيلد أول ملاكم يفوز بلقب جمعية الملاكمة العالمية للوزن الثقيل أربع مرات بعد أن ألحق الهزيمة بغريمه جون ريوز. من جهة أخرى، تربع لونكس لويس على عرش بطولات مجلس الملاكمة العالمي منذ عام 1997م وحتى اعتزاله في عام 2004م. ولمعرفة النتائج في كل الأوزان حتى نهاية 1999م،